بحث رائع: المطارق الكونية آية من آيات الله
في هذا البحث تتجلى أمامنا عظمة النجم الثاقب الذي أقسم الله به، وسمَّاه (الطارق) وجاء العلماء في القرن 21 ليطلقوا نفس الاسم على هذه النجوم، لنتأمل...
حقائق تاريخية
لآلاف السنوات درست البشرية السماء وتأملت ما فيها من نجوم وكواكب وشهب، واستخدم الناس أعينهم ثم استخدموا العدسات المكبرة لسبر أعماق الكون، ولكن رؤيتهم بقيت محدودة، حتى جاء القرن العشرين ليستخدموا أعيناً جديدة هي التلسكوبات العملاقة. ثم استخدموا التلسكوبات التي تعمل بوسائل جديدة تختلف عن الوسائل المرئية بالعين، فاستخدموا الأشعة الراديوية والأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية وأشعة غاما وغير ذلك لرؤية ما لا تستطيع العين المجردة رؤيته.
وفي هذه اللحظة بدأ العلماء باكتشاف أسرار الكون وعجائبه، فاكتشفوا المجرات وداخل كل مجرة مئات البلايين من النجوم! واكتشفوا الدخان الكوني والغبار الكوني، واكتشفوا أيضاً أنواعاً عديدة من النجوم ومراحل تطور هذه النجوم، وتبين لهم أن النجم يولد ويكبر ثم يشيخ ويهرم ثم يموت وينفجر ويتهاوى على نفسه!
ومن عجائب الاكتشافات الكونية ما سمّاه العلماء بالنجوم النيوترونية، وقد كان أول من طرح فكرة النجوم النيوترونية العالمان Fritz Zwicky و Walter Baade عام 1933، حيث وجدا بنتيجة حساباتهم أن الكون يحوي نجوماً عادية ونجوماً نيوتترونية أي أن هذه النجوم تتكون من جسيمات صغيرة هي النيوترونات.
وبدأ العلماء على مدى أربعين عاماً رحلة البحث عن هذه النجوم الجذابة، حتى جاء عام 1967 حيث قام كل من Jocelyn Bell و Anthony Hewish بمراقبة السماء لفترة طويلة وأخيراً تمكنوا من تسجيل إشارات راديوية، تبين أنها صادرة عن هذه النجوم. ولكن الإثبات العلمي اليقيني على وجودها لم يأت إلا في أواخر القرن العشرين عندما استطاع العلماء تصوير هذه النجوم ودراستها دراسة معمقة، وتأكد لهم وجودها بكميات كبيرة في الكون [1].
مطارق عملاقة
عندما قام العلماء بتسجيل الإشارات الراديوية القادمة من الفضاء البعيد، ظنوا في البداية أنها رسالة من كائنات مجهولة، ولكن تبين أن هذه الإشارات ما هي إلا صوت لدقات منتظمة جداً، فقد سمعوا وكأن أحداً يطرق عدة طرقات كل ثانية [2]. ولكن في البداية تخيلوا بأن هذا النجم ينبض مثل قلب الإنسان، فأسموا هذه النجوم بالنوابض Pulsars ولكن تبين فيما بعد أنها تصدر أصواتاً أشبة بالطرق، فأسموها المطارق العملاقة gigantic hammer التي تدقّ مثل الجرس [3]!
كيف تتشكل هذه النجوم؟
لكل نجم بداية ونهاية، وعندما يكون وزن النجم أكبر من وزن الشمس بمرة ونصف تقريباً، وعندما تنقضي حياة هذا النجم وينفد وقوده يبدأ بالانهيار ويمر في حالة تشبه الانحلال، فالإلكترونات لا تعود قادرة على البقاء في مداراتها حول الذرة، ولذلك سوف تُجبر على اختراق الذرة والانصهار في البروتونات، لتتشكل بذلك النيوترونات. وتولد حرارة تبلغ أكثر من مليون مليون درجة مئوية، وبالتالي فإن هذا النجم يتحول إلى نجم نيوتروني يزن أكثر من 400 مليون مليون كيلو غرام!
إشعاع ثاقب!
يؤكد العلماء أن هذه النجوم تبث أشعة عظيمة ولامعة، ففي عام 1979 سجل العلماء الشعاع الأكثر لمعاناً في السماء وقد كان ناتجاً عن نجم نيوتروني ثاقب، فقد بث هذا النجم كمية هائلة من أشعة غاما gamma rays وهي أقوى أنواع الأشعة الثاقبة، لقد بث خلال 0.2 ثانية كمية من الإشعاعات الثاقبة تعادل ما تبثه الشمس في ألف سنة!!! ويقول العلماء الذين رأوا هذا الشعاع إنهم لم يشاهدوا شعاعاً بهذه القوة واللمعان من قبل [4]!!
النجم الثاقب بالأرقام
النجم النيوتروني هو عبارة عن نجم أثقل من الشمس بقليل وقد استنفذ وقوده النووي، فلم يعد قادراً على الاشتعال، فبدأ بالانكماش على نفسه وبدأت مادته بالتهاوي والسقوط نحو مركز النجم مما يؤدي إلى انضغاطه بشدة كبيرة وتفكك ذراته بفعل الجاذبية الهائلة إلى بروتونات وإلكترونات ومن ثم تندمج هذه الأجسام متحولة إلى نيوترونات، ولكن النواة تكون في حالة مختلفة حيث تبدأ في داخلها ذرات الحديد بالتشكل، وبالتالي يمكنك أن تتخيل كرة ضخمة من الحديد محاطة بسائل كثيف من النيوترونات، ببساطة هذا هو النجم النيوتروني [5].
النجم النيوتروني يبلغ وسطياً من 1.4 حتى 5 أضعاف وزن الشمس، وإذا زاد وزنه على ذلك سوف يتحول إلى ثقب أسود. أما نصف قطر هذا النجم فيبلغ من 10 إلى 20 كيلو متر.
فإذا كان لدينا نجم نيوتروني وزنه 1.4 وزن الشمس، ونصف قطره 15 كيلو متر، فإذا علمنا بأن وزن الشمس هو 2 وبجانبه 30 صفراً كيلو غرام، أي ألفي بليون بليون بليون كيلو غرام، فإن وزن هذا النجم النيوتروني سيبلغ 2.8 ألف بليون بليون بليون كيلو غرام، وبحساب بسيط نستنتج أن كل سنتمتر مكعب من هذا النجم يزن 200 ألف مليون كيلو غرام [6]!!
وتصور أخي القارئ أننا لو أحضرنا إبرة صغيرة جداً من هذا النجم الثاقب، فإن وزنها سيكون 200 مليون كيلو غرام، هذه الإبرة النيوترونية الثاقبة لو وضعت على الأرض لثقبتها واخترقتها بالكامل!! فكيف لو أحضرنا نجماً قطره 20 كيلو متر مثلاً؟! من هنا ندرك ضخامة وعظمة هذه النجوم وأهميتها في السماء، وأنها من الآيات التي تدل على عظمة الخالق وقدرته تبارك وتعالى.
ساعات كونية دقيقة!
تدور هذه النجوم بسرعات عالية جداً، وتبلغ سرعات بعضها عدة مئات من الدورات في كل ثانية، وهي دقيقة جداً في دورانها، ولذلك يمكن استخدامها كساعات كونية دقيقة. ويتولد بنتيجة دوران هذه النجوم حقل مغنطيسي قوي جداً يعادل ألف مليون ضعف الحقل المغنطيسي للأرض.
إنها تثقب أي شيء تصادفه!!
لقد رصد العلماء في أمريكا وأوربا الموجات الجذبية الصادرة عن النجوم الثاقبة، وقالوا إذا كان الضوء يمكن أن يصطدم بالحواجز المادية فلا يستطيع اختراقها، فإن الموجات الجذبية الهائلة التي يصدرها النجم الثاقب تخترق أي شيء، حتى أجسامنا فإنها تُخترق في كل لحظة بهذه الأمواج ولا نحس بها [7]!
هنالك جسيمات دقيقة جداً تطلقها هذه النجوم بكميات كبيرة أثناء تشكلها بعد انفجار النجم الأصلي، وتدعى "نيوترينو" ويعرف العلماء هذه الجسيمات [8]:
وهذا يعني أن النيوتريونوات هي جسيمات عديمة الشحنة وليس لها كتلة، هذه الأجسام الأولية تخترق الرصاص مسافة أميال عديدة دون أن يعرقلها أي شيء! وهي تخترق جسدك الآن وأنت تقرأ هذه المقالة!!!
مطرقة من الحديد
يقول العلماء في تعريف هذه المخلوقات [9]:
إن سطحها من الحديد البلوري الصلب، وهي تدق مثل الجرس عندما يضرب بمطرقة.
ومن عجائب ما صادفته في هذه الدراسة أن العلماء وجدوا أن هذه النجوم تتكون من طبقات وأن قلب هذه النجوم يتألف من الحديد، وأثناء تشكل هذه النجوم يحدث طرق لهذه الطبقات بالنواة الحديدة تماماً كالمطرقة، وجاء في دراسة حول طريقة تشكل النجوم وما يحدث داخل النجوم النيوترونية [10]:
تعمل الطبقات الخارجية في النجم مثل المطرقة، ونواة هذا النجم مثل الكرة المطاطية.
إذن جميع العلماء يؤكدون على أن هنالك طَرْق داخلي يحدث داخل النجم، وطرق خارجي بنتيجة دوران النجم، حيث يصدر طرقات منتظمة تصل إلى الأرض على شكل أمواج راديوية. وهذا يعني أن العلماء يرون في هذه الأجسام عمليات طرق مستمرة تشبه طرقات المطرقة على الجرس.
صوت المطرقة الكونية
يستخدم العلماء في كشف أعماق هذه النجوم تسجيل الانفجارات التي تولدها ثم يقومون بتحليل هذا التسجيل، ومعرفة التركيب الداخلي للنجم، تماماً كما يستخدم علماء الأرض مقاييس الزلازل وتسجيل الاهتزازات الأرضية لمعرفة تركيب الأرض وبنيتها الداخلية وطبقاتها.
ويقول البروفسور Richard Rothschildمن جامعة كاليفورنيا [11] والذي درس هذه الأجسام الجملية لفترة طويلة، يحدثنا عن أحد الانفجارات النجمية الذي خلف وراءه نجماً ثاقباً:
أي أن الانفجار كان أشبه بضرب النجم النيوتروني بمطرقة كونية، مما يسبب أن هذا النجم يرن مثل الجرس ولقد قام العلماء بتسجيل صوت هذه النجوم، ويمكن الاستماع إلى صوت هذه المطرقة الكونية العملاقة