أثبت العلماء أن الجبال ليست جامدة كما نراها، بل هي تتحرك، وهذا ما أشار إليه القرآن في آية معجزة، فمن كان يعلم زمن نزول القرآن بأن الجبال تتحرك حركة خفية فتمر مروراً لا نحس به؟..
ظلت الأساطير تنسج حول الجبال لآلاف السنين، فكانت كل حضارة من الحضارات القديمة تنظر إلى أن هناك آلهة للجبال، وكانوا ينظرون إلى الجبال على أنها أكثر أجزاء الأرض ثباتاً، ولكن القرآن الكريم حدثنا عن حركة خفية للجبال لا نشعر بها.
سوف يكون بحثنا حول آية عظيمة وهي قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. إن الذي يقرأ هذه الآية يلاحظ أن الله تعالى قد ذكر أن الجبال تتحرك وتمرّ تماماً كالغيوم في السماء عندما تمر أمامنا، والسؤال: ماذا يقول العلم الحديث وما هي آخر الاكتشافات العلمية حول الجبال؟
كيف فهم المفسرون هذه الآية قديماً؟
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) أي تزول عن أماكنها كما قال تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) [الطور: 8-9]".
أي أن الإمام ابن كثير ومعظم المفسرين قديماً فهموا هذه الآية على أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة. ولكن في العصر الحديث تناول هذه الآية الإمام محمد الشعراوي وقال (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تظنها ثابتة، ويوم القيامة لا يوجد ظن بل إن الظن في الدنيا أما يوم القيامة فكل ما نراه هو الحق، ولذلك هذه الآية تتحدث عن حركة الجبال في الدنيا.
ويتابع الشعراوي تفسيره فيقول: "إذا صعدنا إلى الفضاء الخارجي فإننا نرى الأرض وهي تدور وتتحرك وتتحرك معها الجبال أيضاً، وفي هذا إشارة إلى دوران الأرض حول نفسها".
ولكن إذا تأملنا الآية جيداً نلاحظ أنها تتحدث عن حركة الجبال تحديداً وليس عن حركة الأرض بشكل كامل، فالأرض عندما تدور حول محورها فإن كل شيء معها يدور الإنسان والبحار والأشجار والحيوان، ولذلك فإن هذه الآية لابد أن يكون فيها معجزة تتعلق تحديداً بحركة الجبال، وهذا ما سنكتشفه من خلال الفقرات الآتية.
حركة الألواح الأرضية
في عام 1912 اقترح العالم Alfred Wegener نظرية الانجراف القاري بعد ما لاحظه من دلائل تؤكد أن القارات كانت كتلة واحدة. وقد كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها شخص عن حركة اليابسة بما تحمله من جبال ووديان، وقد تعجب أن العالم الذي اقترح هذه النظرية قد اتَّهمه الناس بالجنون، ولم يصدقوا بأن الجبال يمكن أن تتحرك!!
ففي ذلك الوقت كان من الصعب جداً أن يتصور العلماء بأن هذه الكتل الضخمة من اليابسة تطوف حول العالم! كان من الصعب أن يتخيل الناس أن الألواح الأرضية تتحرك وتمتد، وربما يكون علماء أمريكا هم أشد عداءً لهذه الفكرة في ذلك الوقت، وبقي هذا العداء حتى منتصف الستينات من القرن العشرين، ولكن الحقائق العلمية والدلائل التي تثبت حركة ألواح الأرض أصبحت كثيرة وأكبر من أن تدحض.
ومنذ السبعينيات من القرن العشرين بدأت نظرية تحرك القارات تأخذ شكل الحقيقة العلمية، حتى جاء القرن الحادي والعشرين عندما رأى العلماء حركة هذه القارات رؤية يقينية من خلال الأقمار الاصطناعية والرادارات والمراصد الفلكية المتوضعة في أماكن مختلفة من الأرض.
وهناك إثباتات من الرسوبيات والأحافير والنباتات والحيوانات وغير ذلك حيث وجد العلماء نفس الآثار في جميع القارات، ومن غير المعقول أن هذه الكائنات الحية التي عاشت قبل ملايين السنين مثل الديناصورات قد عبرت المحيطات من قارة لأخرى، ولذلك فإن المنطق العلمي يفرض بأن القارات كانت مجتمعة في كتلة واحدة ثم انفصلت وتباعدت خلال مئات الملايين من السنين.
تتركب القشرة الأرضية مع الطبقة التي تليها من مجموعة من الألواح، وتوجد بين هذه الألواح صدوع أو شقوق. وقد تبين للعلماء أن هذه الألواح في حالة حركة دائمة، وبنتيجة حركة الألواح واصطدامها مع بعضها تتشكل الجبال، وهذه الجبال تكون في حالة حركة دائمة أيضاً.
يعتقد علماء الجيولوجيا اليوم أن سطح الكرة الأرضية ليس كتلة واحدة بل أشبه بلوح مكسور إلى مجموعة ألواح ومتوسط سماكة هذه الألواح 80 كيلو متر، وهذه الألواح تتحرك فوق طبقة ثقيلة وساخنة وتسير الألواح بسرعة 10 سنتمتر وسطياً في السنة. وعلى حدود هذه الألواح تتوضع معظم البراكين في العالم، وتكون المناطق الحدودية من أكثر المناطق تعرضاً للزلازل والهزات الأرضية.
وتوجد ثلاثة أنواع لحركات الحدود التي تفصل بين الألواح وهي:
1- نهايات متباعدة: وهنا نجد أن الألواح تتباعد عن بعضها مما يشكل فجوات تمتلئ بالحمم المنصهرة المتدفقة من الأرض على مر ملايين السنين وتشكل قشرة أرضية جديدة عند هذه المنطقة.
2- نهايات متقاربة: وتنشأ عند اقتراب الألواح الأرضية من بعضها فتنزلق لتشكل الوديان، أو تصطدم ويبرز أحد اللوحين وتشكل السلاسل الجبلية وتنشأ الجبال تدرجياً بطريقة الانتصاب، ومن هنا ربما ندرك عمق الآية الكريمة عندما طلب الله منا أن نتأمل إلى هذه الجبال كيف نُصبت فقال: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية: 19].
3- تصطدم الألواح مع بعضها عند الحواف مباشرة وهنا تحدث الهزة الأرضية الزلازل.
كيف تتحرك الجبال؟
الجبل هو منطقة من الأرض ترتفع بشكل مفاجئ عما حولها. والسلاسل الجبلية هي مجموعة كبيرة من الجبال تمتد لآلاف الكيلو مترات وتشكل ما يشبه الأحزمة. مثل سلسلة جبال الهملايا شمال الصين، وسلسلة جبال الألب في قلب أوربا.
ففي سلسلة جبال الهملايا توجد أعلى قمم في العالم تشكلت قبل حوالي 45 مليون سنة، وذلك بعد أن اصطدم لوحان من الألواح القارية بعضهما ببعض، فتشكلت هذه السلاسل وبرزت كنتيجة للتصادم العنيف. وهناك بعض السلاسل الجبلية في شمال شرق أمريكا يعود تاريخ تشكلها إلى ما قبل ألف مليون سنة.
للجبال عدة حركات أهمها:
1- حركة أفقية مع ألواح الأرض. فاللوح الهندي مثلاً يتحرك مع ما يحمله من جبال كل سنة عدة مليمترات، إذن الجبال تتحرك وتمر وتُدفع بنتيجة التيارات الحرارية للطبقة التي تلي جذور الجبال.
2- حركة عمودية بنتيجة التيارات الحرارية أيضاً والتي تساهم في رفع الجبل وخفضه عدة مليمترات كل سنة.
3- هناك حركة اكتشفت حديثاً، ففي عام 2006 وجد أحد العلماء وهو البرفسور Russell Pysklywec من جامعة تورنتو أن الأمطار الهاطلة بالقرب من الجبال فإنها تختزن في خزانات ضخمة تحت الجبال وتؤثر على جذور الجبال. قام هذا العالم ببحثه في جبال الألب جنوب نيوزلندة، فوجد أن الأمطار تسبب للجبال تآكلاً مقداره 10 مليمتر كل سنة.
ويؤكد العلماء وجود مراحل لنشوء الجبال حيث تبدأ بتمدد الألواح ثم اصطدامها ثم تشكل الجبال ثم تفسح المجال أمام الأنهار لتتشكل، إذن نحن أمام ثلاثة مراحل: امتداد الألواح أي تمددها، ثم نشوء الجبال الرواسي، ثم تشكل الأنهار، وهذا ما لخصه لنا القرآن بكلمات قليلة في قول الحق تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا) [الرعد: 3].
ويقول البروفسور Pysklywec إن هذه الأمطار وما تختزنه الجبال من مياة تغير سلوك الجبال من حيث الحركة، وتؤثر على حركة الألواح التي تحمل هذه الجبال وبالتالي يمتد التأثير ليصل إلى جذور الجبال.
ويستغرب هذا العالم من وجود هذه الحركة الغريبة والمعقدة للجبال، ويقول: "إننا لم نكن نتوقع أن التغيرات على سطح الجبل يمكن أن تؤثر على جذر هذا الجبل وعلى حركته، إنها المرة الأولى التي ندرك فيها أن الألواح الأرضية تتحرك بفعل التأثيرات الخارجية على سطح الأرض".
يقوم البرفسور Pysklywec بتجاربه على الحاسوب، طبعاً الكمبيوتر العادي لا يمكن أن يقوم بمثل هذه التجارب المعقدة، لذلك يلجأ إلى الكمبيوتر العملاق المسمى "سوبر كمبيوتر" حيث يضع برامج خاصة لمحاكاة ما يحدث على عمق عدة مئات من الكيلو مترات تحت سطح الأرض حيث تبلغ درجة الحرارة أكثر من 1500 درجة مئوية، وكل تجربة يستغرق هذا الكمبيوتر وعلى الرغم من سرعته الفائقة يستغرق عدة أيام لإنجازها، إن هذه الظروف قد تغير حركة الألواح لتعكس اتجاهها.
إذن الحقيقة التي يقررها العلماء اليوم هي أن الجبال تمر وتتحرك وأحياناً تعكس اتجاه حركتها وسبب هذه الحركة أنها تُدفع بواسطة التأثيرات الحرارية الباطنية للأرض، تماماً كما تدفع الرياح الغيوم! ولكن حركة الجبال لا يمكن إدراكها مباشرة ولكن تأثيراتها تظهر خلال ملايين السنين.
...............يتبع