الحــمد لله .. والصــلاة والســلام علــى محمد .. ســيد الأولــين والاخريــن ..
خاتــم النبــيين .. شفــيع الأمــة فــي يــوم الـدين ..
وأشرف الخلق .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أمــا بعـــد
بيوتنا نعيم أم جحيم؟!
الخطبة الأولى معاشر الأخوة: حديثٌ يتكرر فيه القول عن دم يسفك وأرواحٌ تزهق وطفولة تعذب وأجواء من التوتر الدائم والقلق المستمر والخوف الذي يقض المضاجع غير أن هذا الذي نتحدث عنه ليس في فلسطين الحزينة ولا في غزة المحاصرة ولا في العراق المضيع إنه في مكان أقرب إلينا وأبعد عن تصوراتنا وحريٌ بنا أن نفتح أبصارنا وأن تحدق عيوننا وقبل ذلك أن تستيقظ قلوبنا وعقولنا.
هذه الأحوال تجري في بعض بيوتنا ولست مبالغٌ فإنكم قرأتم وتقرؤون بعض ما هو منشورٌ في صحافتنا عن ابن يقتل أباه أو خالٍ ينحر ابن أخته أو ولدٍ يتعرض للتعذيب من أبيه أو امرأةٍ كثيرةٍ يعتدي عليها زوجها!.
لا أظنكم تخالفون وتجادلون في أن الأمر ظهر على السطح وطغى على الواقع مما يدل على أن الأمر تفاقم وزاد عن حده الذي يمكن أن يكون مقدورً عليه أو منشوراً في النظر إليه أو يسيراً في معالجته.
ولست أيضاً أن أكون من المسرفين فأقول أن بيوتنا قد خربت، وإن أبنائنا قد فسدوا وغير ذلك.. فإننا لا ندعو على أنفسنا بشيء من هلاك ولا نثبط أنفسنا بالتأليف من خيرٍ كثيرٍ في قلوبنا ونفوسنا وأبنائنا وبناتنا وأسرنا وبيوتنا لكن التحذير من الخطر واجب والانتباه إلى الخلل لازم والإصلاح إلى الإعوجاج أمرٌ محتمٌ لابد منه!.
ولعل إعراضي عن ذكر أرقام وإحصاءات أو ذكر حوادث بعينها وجدته أفضل لحديثنا هذا ونحن نلحظ ونعرف تلك الصور من خصام بين الأزواج وقسوة وإهمالٍ من الآباء وتمرد وعقوق من الأبناء طلاق وانفصام بين الأزواج ضياع وإجرام بين الأبناء إثر التفكك الأسري صورٌ كثيرة معانٍ محزنة مؤلمة ما منا من أحد إلا وهو يعرف بعض هذه الحالات مباشرة لأن العلاقات الاجتماعية والواقع المحيط بنا قد كثر فيه ما يجعل هذا ملحوظً ملموسا.
ولعل أجد أن الأنسب لحديثنا هذا هو أن نتحدث عن بيوتنا هل هي نعيم أم جحيم ما الذي فيها للنظر إلى الصورة المثلى والنعيم الحقيقي في صورة هذه البيوت في إسلامنا في آيات قرآننا في الهدي الأمثل والقدوة الأعظم في سيرة وهدي نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - نحن نعظم القرآن غير أن عندنا قصوراً في أتباعه عندما يكون الواجب علينا والحق لغيرنا نحن نزعم كذلك محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أننا لا نرتفع إلى سمو الإتباع به وهو يقول: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) (1) - صلى الله عليه وسلم -.
عندما نتحدث عن بناء أسرة في أول خطوة من خطواتها هنا إذا قررنا الصواب وجدنا بدايات الخطأ وإذا عرفنا الحق أدركنا أين يكمن الواقع من البداية والتأسيس هذه الأسرة تأسس على أساس إيماني على بعد ديني على مراقبة لله - عز وجل - على تقوى في كل حركة وسكنة بل في كل عملٍ نجد فيه ذكراً ودعاءً وسلوكاً مأثوراً عن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -.
أساس إيمانيٌ يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا بالنساء فإنكم استحللتم فروجهن)) بكلمة الله وأخذتموهن بأمان الله إنه عقدٌ وميثاقٌ غليظٌ على شرع الله وبمحكم كتاب الله وبموافقة هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يكون الأمر بعد ذلك على خلاف الكتاب والسنة، وهذا القرآن العظيم يحدثنا: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21]، ولم يطلق وصف الغلظة بالإنفاق إلا في موضعين اثنين أو في عقدين اثنين عقد الزواج هنا وعقد النبوة التي اصطفى بها الله - سبحانه وتعالى - صفوة خلقه وحملهم أمانة رسالته وكتبه ولذلك هذا المنطلق الأول إذا غاب فقد أغاب أساسٌ متين وركن ركينٌ للحفاظ على هذه الأسرة وقيامها على الأساس الصحيح وننظر كذلك فنجد الأساس النفسي الروحي الذي يقيم هذه العلاقة على أعظم وأرق وأفضل المشاعر: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].
إذا تأملنا هذا المعنى السكن، السكن من السكون من الراحة راحة من بعد تعب ظلٌ من بعد هاجرة وسكونٌ من بعد حركة كل ذلك نعرفه في هذه الكلمة: (لتسكنوا إليها) قد يسكن الإنسان في فندقٌ من خمسة نجوم قد يجد فيه أثاثاً فاخراً وخدمة راقية لكنه لن يعيش فيه عمره كله ولا يقبل أن يبقى فيه أبد دهره لأن السكن ليس بالراحة المادية وإنما بالراحة المعنوية..
ابتسامة زوجة تزيل عناء معاناة العمل.. كلمة حلوة لقمة هنية هدوء وإشعاع بالمحبة والمودة يجعل تلك البيوت جنان في الأرض.. واحات خضراء بجنان غناء في وسط هذه الحياة المادية التي تطحن الناس اليوم وتثير في نفوسهم من مشاعر الشحناء والبغضاء والحقد والحسد والصراع والخصام ما يكاد يطمس في نفوسهم المشاعر والعواطف النبيلة.
أساسٌ يقوم على المودة والرحمة فيض من هذه المشاعر نراه عندما نتحدث عن القدوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وننظر فإذا ذلك يجعلنا نحسن الانتباه إلى هذه المعاني فليس شيءٌ غير هذه المودة والرحمة يديم الألفة ويحسن العشرة ويبقي الأمد طويلاً إلا أن تكون هذه الأسرة حصناً حصيناً يستطيع مواجهة كل الخطب والأخطار بإذن الله - سبحانه وتعالى - وأساسُ فطري في إشباع الرغبة وإرواء الشهوة لأن الإسلام دينٌ الواقع دين تلبية الحاجات الفطرية بصورة وحكمة كاملة إلهية وفق شريعة ربانية ولذلك يقول الحق - جل وعلا -: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة: 223] ويصور القرآن قرب العلاقة والصلة تصويراً بليغاً رائعاً بديعاً فيقول الحق - جل وعلا - في وصف العلاقة بين الأزواج: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 187] واللباس هو الذي يستر العورات فنحن سترٌ لعوراتهن وهن ستر لعوراتنا واللباس هو الزينة فنحن زينة لهن وهن زينة لنا واللباس يقيك برد الشتاء ويمنعك من عوا د ما قد يضر وذلك كله أمره ظاهر ثم اللباس هو أدنى شيء إليك وألصق شيء بجسدك وهو الذي تختاره بنفسك وتلبسه بنفسك وتنزعه بنفسك فهو اقرب شيء تتعامل معه فهل بعد ذلك يكون الأمر على ما قد نسمع ونرى من شقاق وخصام والأمر في ذلك يطول ومن هنا نقول منتقلاً إلى نقطة أخرى لنرى أيضاً أساساً عظيماً لهذه الذرية في الأبناء والبنات ما هي نظرتنا إليهم ما هو تعاملنا معهم وحديثنا هذا إنما مفتتحاً يطول بعده الحديث ويستمر.
الله - سبحانه وتعالى - بين لنا أن هذه الذرية من زينة الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46] وأنها نعمة من الله - سبحانه وتعالى -: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[الإسراء: 6] وأنها دعوة يتمناها المؤمنون: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74] فكيف نشوه الذلة بما قد يقع من بطش وظلم وإجرام واعتداء على الأبناء وكيف نجحد النعمة بإهمال التربية والغياب عن أداء الواجب وكيف نغفل عن الدعوة والكثيرون يقعون فيما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بنص صريح لا تدعو على أولادكم وكم أسمع من دعواتٍ من الآباء والأمهات على أبنائهم وبناتهم.
لذا أيها الأخوة نحن نهد ونقرع ناقوس الخطر حتى ننتبه وأنطلق إلى الأوصاف التي ينبغي تكون عليها بيوتنا كما أرادها ربنا وكما جسدها لنا في واقع الحياة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بيوت وئام لا خصام اليوم نسمع من الإشارات الفكرية والأطروحات الإعلامية ما يجعل البيوت ساحات معارك خذي حقك منه ولا تجعليه يتسلق عليك إياكِ أن يضحك عليك وأن يمنعك من العمل ويمنعك من كذا وكذا ويقولون للرجل أثبت رجولتك لا تجعلها تفتح فمها بكلمة وإذا نحن كأننا في حلبة ملاكمة أو مصارعة والتوتر دائم وتسمع في هذه البيوت كل يوم صراخ يعلو وصراعات وسباب وشتائم كأننا لم نعد نرى ولا نذكر ولا نتخيل معنى للوئام والمودة والرحمة توتر النفوس وضاقت الصدور وكبرت العقول وكثر سيطرة المادة والأعراف الخاطئة التي لا تتفق مع شريعة الله - عز وجل - وهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
يمكن أن نرى صوراً كثيراً عندما يخبرنا الحق - سبحانه وتعالى -: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)[النحل: 72] من أنفسكم هذه الزوجة من نفسك جزء منك وأنت جزء منها لباس ولباس وإفضاء صورةٌ من القرب الذي إذا لم ينتج مع كل هذه النصوص ومع كل هذه الألفة والخلطة محبة ومودة فكيف يمكن حينئذ أن تفيض محبة على الأبعدين وأنت كارهٌ ومخاصمٌ للأقربين كيف يمكن أن تحسن التعامل مع الآخرين وأنت لا تحسن التعامل مع من أوجب الله عليك أن تحسن إليهم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]، وينبهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة أي لا يبغض مؤمن مؤمنة إذا ساءه منها خلقٌ رضي منها آخر)).
لماذا لا نرى إلا الصورة السودان لماذا لا نركز إلا على الأخطاء الصغيرة أو على بعض الخصال والطبائع الآدمية لماذا لا نرى كثيراً من الخير من أزواجنا ولماذا لا يرون كثيراً من الخير من أزواجهن لماذا لم يركزوا على الخير والجوانب المضيئة المشرقة حتى نقرب بين القلوب ونؤلف بين النفوس ونجري مياه المودة والمحبة فيما بيننا.. لماذا إذا دخلت لا تبتسم وتبسمك في وجه أخيك صدقة فكيف بتبسمك في وجه زوجتك وأبناءك؟! لماذا لا تبدأ كما شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلام على أهل البيت وتفقد أحوالهم: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته كما وصفت عائشة يكون في مؤنة أهله يخطف نعله ويرفق ثوبه ويكون في مؤنة أهله فإذا دعا بلالٌ إلى الصلاة قام كأنه لا يعرفنا) فهل فينا من يخطف نعله ويرفق ثوبه ويدخل مطبخه ويعين زوجته وهل يستعلي أحدٌ أو يستنكف أحدٌ عن فعلٍ فعله سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -.
هذه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تخبر أن النبي إذا شربت وانتهت من شرابها أخذ هذا الكوب أو الإناء فجاء يتلمس الموضع الذي شربت منه فيشرب منه - صلى الله عليه وسلم - لماذا؟ لفتاتُ حبٍ راقية، رسائل مودة يعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تؤثر في قلوب النساء يشرب من حيث شربت لو قلت لأحدنا أفعل ذلك لقال وهل تراني صبياً غريراً أو تراني شاباً حبيباً نقول إن النبي كان يفعل ذلك لشدي تلك القلوب ويربطها بمحبته ليدخل السرور على أزواجه ليقول إني أحبكِ حباً يجعل أشرب حيث تشربين وأضع فمي حيث تضعين حتى قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: (عندما لفت نظرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في سلوكِ يدل على سموٍ خُلق راق وعلى حسن إدارةٍ لأمور الحياة الزوجية عجيب قال لها: يا عائشة إني لأعلم متى تكونين عني راضية ومتى تكونين غضبى) إذاً هو يرسل رسالة أنا منتبهٌ لك أنا يهمني أن أعرف متى تكونين راضيةً أو غاضبة أنا منتبه لمشاعرك ومرهف لأحاسيسك، قالت: كيف يا رسول الله - هل ترونه استنبط ذلك عندما صاحت عائشة أو رفعت صوتها عليه كلا أو تفعل أو فعلت شيئاً مما يفعله الناس اليوم بأن تسيء إلى زوجها أو تتعدى عليه بالقول لا ليس شيءٌ من ذلك قالت وكيف يا رسول الله؟ قال: إذا كنت راضية قلت لا ورب محمد وإن كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم. قالت: صدقت يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله لا أهجر إلا اسمك) (2).
لكن انظروا إلى الدقة التي استشفى بها النبي ذلك واليوم قد يدخل الرجل فيجد زوجته مكدرة الخاطر وعلى وجهها شيء من هم وهي صامتة لا تتكلم ومع ذلك كأنه يرى جداراً أصم لا يلتفت ولا يسأل ولا يقول خيراً إن شاء الله ولا يسأل ولا يدعو ولا يستفسر ولا يظهر له أثر بل أحياناً تقول إنني غاضبة فيقول ابحثي عن أي جداراً لتخبطي فيه رأسك.
كثيرة هي الصور التي يفارق فيها الهدي النبوي داخل بيوتنا فتصبح بيوتنا بيوت خصام والنبي يقول: ((استوصوا بالنساء والألف والسين والتاء يطرد أي بالغوا بالوصية بالهمة واحرصوا على الوصية بهن فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لن يزل أعوج)) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث في الصحيح عند البخاري وغيره.
ثم فضيحة نفسية لابد من مراعاتها ومداراتها ليدوم الوئام ويستمر الحب والمودة وإلا فإن الصديق على كل أمر والتنقير على كل خطئ والتتبع لكل كلمة والتشفي من كل زلة أو خطأ لا ينفذ ولا يثمر إلا مزيد من البعد والشقاق نسأل الله - عز وجل - السلام.
بيوتنا مستورة لا مفضوحة بيت الأسرة المسلمة بيت أمان يأمن فيه الزوج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى الزوجة، فقال: ((ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم ولا يأذن لمن لا ترضون)) والنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيه))(3).
وأمانٌ للزوجة فالزوج مطالبٌ كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها))(4) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
بيوت يتدارى فيها الخطأ فيما بين الزوجين ويحسنون الستر والعفو والسماحة وليس كل ما سمح أمراً نشرته وكالات الأنباء في الأسرتين بل وفي دائرة الجيران بل وفي المجتمع بل أحياناً وكما نرى على صفحات الصحف وعبر الإذاعات والقنوات وقد رأينا ذلك بأم أعيننا أين الستر لا يكون إلا بواقع المحبة التي أسلفناها والوئام الذي ذكرناه ألسنا نعرف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه لكن الله - جل وعلا - ذكره لنا ليكون عبره لكنه - عليه الصلاة والسلام - داراه وستره يوم قالت الزوجة والثانية مجتمعتين إنا نجد منك ريح مغاسيل لأنهن أردن أن يشرن إلى ذهابه لزينب وأخذه شيء من المغاسيل فقال لنفسه أنه امتنع عن ذلك وحرمه وسكت حتى تنزل القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) [التحريم: 1]، وهكذا كان الأمر وما ينقل من بيوت النبي إلا ما هو للتشريع وننظر إلى ذلك فنراه على نحو عظيم مهم نحتاج إليه.
وأخيراً بيوتنا بيوت احترام لا إجرام وهذه مسألة مهمة أختم بها: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34] والقوامة تكليف والقوامة واجبات والقوامة حماية ووقاية والقوامة مسئولية ونفقة وليس القوامة ضرباً ولا تسلطاً ولا قهراً ولا تجبراً وكثيرون ممن يظنون ذلك نجد سلوكهم وقد أصبح سلوكاً عدوانياً قبيحاً ويستشهدون بقول الله - جل وعلا -: (وَاضْرِبُوهُنَّ) وينسون أن الآية قالت قبل ذلك: (فَعِظُوهُنَّ) ثم بعد ذلك: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) ثم: (وَاضْرِبُوهُنَّ) [النساء: 34].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اجتنب الوجه ولا تقبح)) وعندما سمع عن من ضرب من النساء من الصحابة، قال: ((ليسوا أولئك بخياركم)).
وذكر الرازي في التفسير: أن الضرب بالسواك ونحوه بل قال بالمنديل ونحوه وهل بالمنديل ضربٌ إنه إشارة إنه مجرد لفت نظر وليس معركة لكي يكون هناك ضربٌ بالوسائل اليدوية وغير اليدوية.
نسأل الله - عز وجل - أن يعيننا على أن تكون بيوتنا بيوت مودة ورحمة وألفة ومحبة وتعاون وتكامل إنه جل علا ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه وإن الأسرة المسلمة والبيت المسلم هما النواة الصلبة للمجتمع الصحيح إن مشكلات الشباب وإن انحرافات الشابات وإن وجود الظواهر السلبية منشأه أن هذه اللجنة وتلك القاعدة لم تؤسس أساساً صحيحاً أو نالها التصدع والتشقق ونحن لا نجد شيئاً يرغب الصدع ولا يرمم هذا التشقق إلا أن نعود إلى الآيات وأن ننظر إلى الأحاديث وأن نشعر بأننا مطالبون بإتباع الكتاب والسنة ليس في العبادات فحسب وليس في الأحكام الشرعية العامة فحسب بل في سلوكياتنا التي تتناول كلمات ألسنتنا ونظرات عيوننا وابتسامات ثغورنا في كل شيء نعيشه مع أزواجنا ومع أبنائنا والحديث يطول جداً؛ فإن بيوت المسلمين ينبغي أن يكون على هدي كتاب الله وسنة رسول الله وحينئذ ستكون بيوتاً كما قلنا فيها المحبة والوئام وفيها التوافق والتعاضد ويكون لنا فيها يومئذ ذرية طيبة وشباب صالح وأمهات مربيات مشكلتنا تبدأ من البداية ولنا عود إلى هذا الحديث مراتٌ ومرات لعلنا نضيء بعض جوانبه التي نحتاج إليه ونذكر بعض مخاطره وأخطاءه وخلله الذي نحن في أمس الحاجة إلى معالجته والأمر في هذا يطول ولابد لنا من أن نتذكر دائماً وأبداً أن المسلم متعبدٌ لله - عز وجل - ملتزم شرعه في كل مكان في مسجده وفي معبده وفي معهده ومن باب أولى في بيته ومع أهله: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))(5)، كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - نسأ الله - عز وجل - أن يصلح أزواجنا وأن يصلح أبنائنا وأن يصلح بناتنا وأن يصلح أسرنا وأن يصلح مجتمعنا وأن يردنا جميعاً إلى دينه رداً جميلا.