الفقهاء والزواج :
يتحدث الفقهاء في مبدأ كتاب النكاح عن حكم الزواج وأهميته فلنورد مايسمح به المقام من أقوالهم في ذلك :
وقد أعقب الأحناف باب العبادات بالنكاح . وعلل ذلك الكمال ابن الهمام في شرح فتح القدير فقال : " وهو أقرب إلى العبادات حتى أن الاشتغال به أفضل من التخلي لمحض العبادة على مانبين إن شاء الله تعالى فلذا أولاه العبادات ... ثم ذكر حكمه واختلافهم فيه، ورجح تفضيله على التخلي للعبادة وقال :" وبالجملة فالأفضلية في الاتباع لافيما يخيل للنفس أنه أفضل نظراً إلى ظاهر عبادة وتوجه، ولم يكن الله عز وجل يرضى لأشرف أنبيائه إلا بأشرف الأحوال، وكان حاله إلى الوفاة النكاح، فيستحيل أن يقرره على ترك الأفضل مدة حياته "... ومن تأمل مايشتمل عليه النكاح من تهذيب الأخلاق، وتوسعة الباطن بالتحمل في معاشرة أبناء النوع، وتربية الولد، والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها، والنفقة على الأقارب والمستضعفين، وإعفاف الحرم ونفسه، ودفع الفتنة عنه وعنهن ودفع التقتير عنهن ... لم يكد يقف عن الجزم بأنه أفضل من التخلي " .
وقال ابن رشد :- فأما النكاح فإنه في الجملة مرغب فيه ومندوب إليه . .. وأما من احتاج إلى النكاح ولم يقدر على الصبر دون النساء، ولاكان عنده مايتسرى به وخشي على نفسه العنت إن لم يتزوج، فالنكاح عليه واجب .
وقال الكاساني : لاخلاف أن النكاح فرض في حالة التوقان، حتى أن من تاقت نفسه إلى النساء بحيث لايمكنه الصبر عنهن وهو قادر على المهر والنفقة ولم يتزوج يأثم .
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني :" والناس في النكاح على ثلاثة أضرب ؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء، لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح . الثاني من يستحب له، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل العبادة . وهو قول أصحاب الرأي . وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم، وفعلهم … وساق بعض الآثار التي أوردنا طرفاً منها ".
قال القرطبي :" المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لايختلف في وجوب التزويج عليه " .
وقال شيخ الإسلام : " وإن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه على الحج الواجب وإن لم يخف قدم الحج، ونص عليه الإمام أحمد في رواية صالح وغيره، واختاره أبو بكر " .
غيرنا والزواج :
الزواج أمر فطر الله تبارك وتعالى عليه خلقه، ولذا فقد كان غيرنا من الأمم الكافرة لهم عناية بموضوع الزواج واهتمام به؛ لما رأوا من مصالحه، أو لما بقي لدى بعضهم من الديانة المحرفة.
وقد كانت العناية به لدى الأمم القديمة ، فقد كانت العزوبة عندهم عيباً، بل في كثير من معتقداتهم أنه من مات ولم يتزوج فإنه قد خرج من رحمة الله، وكانوا يصفونه بصفات يستحى منها بل لا يحب أن يقابل الناس.
وفي عام 1661 م أصدر لويس الرابع عشر مرسوماً يقضي بإعفاء الذين تزوجوا وكان سنهم أقل من عشرين سنة حتى الخامسة والعشرين . وفي عام 1798م سن قانون لقيمة الإيجارات وفرض الجباية فضاعف الضرائب على العزاب الذين سنهم عشرون عاماً فما فوق .
وهاهم عقلاء الغرب -إن كان فيهم من يعقل - هاهم ومع هذه الإباحية السافرة، والفجور تتنادى أصواتهم في المطالبة بالزواج المبكر يقول ول ديورانت: " ولسنا نرى مقدار الشر الاجتماعي الذي يمكن أن نجعل تأخير الزواج مسؤولاً عنه، ولاريب أن بعض هذا الشر يرجع إلى ما فينا من رغبة في التعدد لم تهذب .. ولكن معظم هذا الشر يرجع في أكبر الظن في عصرنا الحاضر إلى التأجيل غير الطبيعي للحياة الزوجية، وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو في الغالب ثمرة التعود قبله، وقد نحاول فهم العلل الحيوية والاجتماعية في هذه الصناعة المزدهرة، وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لامفر منه في عالم خلقه الإنسان، وهذا هو الرأي لمعظم المفكرين في الوقت الحاضر غير أنه من المخجل أن نرضى في سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن أنفسهن ضحايا على مذبح الإباحية، ولايقل الجانب الآخر من الصورة كآبة لأن كل رجل حين يؤجل الزواج يصاحب فتيات الشوارع ممن يتسكعن في ابتذال ظاهر " .
ويقول : " كان البشر في الماضي يتزوجون باكراً، وكان ذلك حلاًّ صحيحاً للمشكلة الجنسية ، أما اليوم فقد أخذ سن الزواج يتأخر، كما أن هناك أشخاصاً لايتوانون عن تبديل خواتم الخطبة مراراً عديدة، فالحكومات التي ستنجح في نص القوانين التي تسهل الزواج الباكر ستكون جديرة بالتقدير لأنها تكشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا هذا " .
فلئن كان أولئك الذين عاشوا في مجتمعات الانحلال والإباحية، والذين لايرون بأساً بالمعاشرة المحرمة ينادون بأهمية الزواج، فغيرهم ممن حماه الله من الرذيلة وأدرك شؤمها أولى من هؤلاء.