شرعت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، في نفس السنة التي فرض الله فيها صوم رمضان.
ودليل مشروعيتها ثبت في السنة في أحاديث عدة، منها ما رواه أبو سيعد الخدري رضي الله عنه، قال : « كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ الأَقِطِ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ ».
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ « فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ».
الحكمة من مشروعيتها
شرعت زكاة الفطر لحِكَمٍ عديدة منها:
جبران نقص الصوم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: « فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ »
قال بعض أهل العلم: زكاة الفطر كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر سجود السهو نقصان الصلاة.
ومن حكمها أيضاً أنها إغناء الفقراء عن السؤال، وإغناء الفقراء من المطالب التي دلت عليها كليات الشريعة ومقاصدها، فضلاً عما تؤدي إليه هذه الصدقة من التكافل بين المجتمع، والتراحم بين طبقاته، وشعور بعضهم ببعض.
حكم زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر على كل مسلمٍ، ذكرٍ أو أنثى، صغيرٍ أو كبير، عاقلٍ أو مجنون، كما تقدم معنا في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنه، قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض.
ويشترط لوجوبها أمران:
الإسلام، والقدرة عليها: بأن يكون عنده يوم العيد وليلته قدر زائد عن قوته وقوت عياله، ومن تلزمه نفقتهم وحوائجهم الأصلية من طعام وشراب ومسكن وملبس.
وتجب على الوالد زكاة الفطر عن ولده الصغير إذا لم يكن له مال، وأما إن كان له مال فتجب الزكاة في مال الصغير ولا تجب في مال الأب على الصحيح.
والجمهور على أنه يجب عليه إخراجها عمن تلزمه نفقته، كالزوجة والوالدين، لحديث ابن عمر مرفوعاً: « أدوا الفطرة عمن تمونون ».
وقت الوجوب والإخراج
تجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة عيد الفطر، فمن كان من أهل الوجوب حينئذ وجبت عليه وإلا فلا.
وأما وقت إخراجها فالأفضل أن تخرج صباح العيد قبل الصلاة لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – كما في البخاري - : « كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفطر صاعا من طعام»، وقول ابن عمر رضي الله عنهما : « أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة »، ولأن المقصود منها إغناء الفقراء في هذا اليوم عن السؤال، من أجل أن يشاركوا الموسرين في الفرح والسرور.
ويجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين لما رواه البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعطيها - أي صدقة الفطر - الذين يقبلونها، وكان يؤديها قبل الفطر بيوم أو يومين.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها لم تقبل منه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ).
أما عن الواجب إخراجه فمن غالب قوت البلد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : « فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير »، وكان الشعير يوم ذاك من طعامهم كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : « كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر» .
والقدر الواجب صاع من أي من هذه الأصناف أو غيرها من الطعام، ويقدر بكيلوين وأربعين غراماً من البُرِّ، ومن غير البُرِّ بحسبه.
وتدفع صدقة الفطر للفقراء والمحتاجين من المسلمين دون سائر مصارف الزكاة الثمانية، ولا يجوز دفعها إلى من تجب على الإنسان نفقته.
ويجوز دفع زكاة الفطر لفقير واحد أو عدة فقراء، والأولى دفعها إلى الأقرباء الفقراء الذين لا تجب نفقتهم على المزكي.
عن أبي هريرة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أديت زكاة مالك فقد قضيب ما عليك » وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه ذكر فقال رجل: يا رسول الله هل علي غيرها؟ فقال: « لا إلا أن تتطوع »
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنها قال: « كنا نخرج زكاة الفطر - إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط »
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم: « أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه، صاع من طعام »
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين »
عن ابن عمر رضي الله عنهما: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو للصلاة يوم الفطر »
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه فيستغني به عن الناس، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول »
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنّ المسألة كدٌ يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمرٍ لا بد منه »
عن علي رضي الله عنه: « أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخص له في ذلك »