إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه [أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً..] أحمده سبحانه حمداً يليق بعظمته، ويوافي آلاءه ونعمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكثر من تدبر وتفكر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،
أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى سبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
عباد الله: لقد انتهت الدراسة، وكثير من الناس يعدون أنفسهم وأولادهم للاستفادة من إجازة نصف العام متنفساً لهم بعد عناء الامتحانات مع الأبناء والبنات.
ويتفاوت الناس في قضاء أوقاتهم خلال تلك الإجازة تفاوتاً كبيراً؛ وأغلبهم يعقدون العزم على شيء من الترويح عن النفس، والتوسعة على العيال، والبحث عن المتنزهات المناسبة القريبة منهم، أو البعيدة عن طريق السفر إليها، والبعض الآخر يفضلون الذهاب إلى البر ويرون في تلك الأسفار متنفساً يروحون به عن أنفسهم ويعبرون به عن فرحتهم، والبعض منهم يعزمون على السفر إلى الأماكن المقدسة لأداء العمرة، والاستفادة من تلك الإجازة في تحصيل الأجر والثواب مع تغيير الجو للأسرة.
وقد حض الإسلام على طلب الترويح عن النفس في حدود المباح، والنبي صلى الله عليه وسلم وجه بذلك فقال
إن لجسدك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا.. فأعط كل ذي حق حقه)(رواه البخاري وغيره). فلا حرج على المسلم في الترويح عن نفسه وعن أهله دون إسراف أو تقتير، أو تفريط في طاعة الله أو وقوع في معصيته. والمسلم يستغل تلك النزهة أو الرحلة أو السفر في النظر والتدبر متفكراً متدبراً ومتأملاً في عجيب خلق الله وبديع كائناته، مما يزيده معرفة بربه، ويقيناً بعظمته وقدرتهً.
عباد الله: وعلى من أراد التنزه والسفر أن يتعلم شيئاً من آداب الرحلات والنزهة والسفر، لكي يكون على بصيرة بأمر دينه، ولكي لا يوقع نفسه فيما حرم الله، ومنها:
أولاً: استحضار النية الطيبة بالسفر والنزهة للتقوِّيَّ على طاعة الله تعالى، والتوسعةَ على العيال، وإدخالَ السرور عليهم، وإن تيسر له زيارة الحرمين الشريفين، فهو أولى وأكمل ليحصل بذلك على الأجر العظيم؛ وليكون سفرُه سفرَ طاعةٍ وبر.
ثانياً: الاستخارة في أمر تلك النزهة وهذا السفر، فإن الإنسان لا يدري ماذا يطرأ له من هذا السفر وتلك النزهة؟ أهو خير له أم لا؟.
ثالثاً: ومن عزم على السفر فليبدأ بالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وعليه أن يخرج من مظالم الخلق من ديون وغيرها، ويترك لأهله ما يلزمهم من نفقة ونحوها إن لم يكونوا معه.
رابعاً: الاستعداد للنزهة أو السفر استعداداً كاملاً، بحيث يأخذ فيه بجميع الاحتياطات اللازمة حفاظاً على سلامته وسلامة من معه.
خامساً: معلوم لدى الجميع أن السفر والنزهة في وقتنا الحاضر يختلف عنه في أزمنة مضت، فكل شيء الآن ميسرٌ، فيمكن لمن أراد السفر أن يركب السيارات، أو الطائرات، أو الفلك المواخر في البحر، ويذهب إلى أي اتجاه في العالم في أقل الأوقات، ومع توفر تلك الوسائل المريحة إلا أنه يجب على من أراد السفر أو التنزه الاحتماء بجناب الله، واللجوء إليه، وطلب تيسيره ولطفه، وعدم مبارزته بالمعاصي، والحرص على طاعته ومرضاته.
وهذا أمر يغفل عنه الكثير من المتنزهين والمسافرين، فالبعض يعرض عن مراقبة الله تعالى، ويخيل إليه أنه في بُعدٍ عن قبضة العظيم المتعال، ولذا تجد الذين ينوون نية سيئة بالسفر من أجل نيل الملذات والشهوات بعيداً عن أعين الناس يُحرمون التوفيق، ويصابون بالأكدار والمنغصات وضيق الصدر والعذاب النفسي الذي يحرمهم الطمأنينة والسعادة.
سادساً: على المسلم ألا يسافر وحده بل يكون معه رفقة، وألا ينسى في أول سفره دعاء السفر. وربما تُعرض للمتنزه والمسافر أمور كثيرة، ولكل منها أدعية مخصوصة، منها ما يكون عند ركوب الدابة، والتسبيح عند الانخفاض، والتكبير عند الارتفاع ونحو ذلك، والأفضل للمسلم أن يحمل معه كتاباً في الأذكار ليعينه على أن يكون متصلاً بالله تعالى، كما يستحب في حقه اصطحاب كتاب في أحكام السفر والنزهة ليكون على بصيرة بأموره.
سابعاً: عند اختيار المكان لجلوس العائلة لابد أن يكون ساتراً لهم ليتمكنوا من أخذ راحتهم والتعبير عن فرحتهم دون تشدد أو تساهل.
ومن السنة عند اختيار المكان والنزول فيه أن يقول المسلم ما ورد عند نزول منزل (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل عنه)(رواه مسلم)، فإنه يحفظ ــ بإذن الله ــ من سائر دواب الأرض وغيرها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ](الأنعام:185).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.